من أحكام المحكمة الدستورية و محكمة النقض حول عقد الايجار

أهم ما قيل عن طبيعة عقد الإيجار في أحكام المحكمة الدستورية ومحكمة النقض (الجزء الأول)

أهم ما قيل عن طبيعة عقد الإيجار في أحكام المحكمة الدستورية ومحكمة النقض (الجزء الأول)

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

1423هـ

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 3 نوفمبر سنة 2002 الموافق 28 شعبان سنة

برئاسة السيد المستشار الدكتور / محمد فتحى نجيب - رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين : ماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي

وحضور السيد المستشار الدكتور / عادل عمر شريف -رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن - أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 70 لسنة 18 قضائية " دستورية " المقامة من :
محمد عبد الكريم محمد
سيد عبد الكريم محمد
ضد
1. السيد رئيس الجمهورية
2. السيد رئيس مجلس الشعب
3 السيد رئيس مجلس الوزراء
4. السيد / عصام الدين محمد فريد
5. السيدة / سعاد محمد أحمد حسنين

الإجراءات

بتاريخ السابع والعشرين من يونيو سنة 1996، أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبين الحكم بعدم دستورية نص الفقرتين الأولى والأخيرة من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 فيما تضمنتاه من عدم انتهاء عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه العين إذا بقيت فيها زوجته أو أولاده أو أى من والديه، الذين كانوا يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك، وإلزام المؤجر بتحرير عقد إيجار لمن لهم حق الاستمرار في شغل العين.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى.

بجلسة اليوم. وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها. ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.


المحكمة

حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل في أن المدعيين كانا قد أقاما على المدعى عليهما الرابع والخامسة الدعوى رقم 14328 لسنة 1989 إيجارات أمام محكمة شمال القاهرة الإبتدائية ابتغاء الحكم بإخلائهما من الشقة المؤجرة إلى مورثهما، وقالا بياناً للدعوى أنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 1957/9/28 استأجر مورث المدعى عليهما الشقة رقم 3 بالعقار المملوك لهما وإذ توفى إلى رحمة الله سنة 1969، فقد أقام المدعيان دعواهما المشار إليها، فواجهها المدعى عليهما بدعوى فرعية بطلب الحكم بإلزام المدعيين بتحرير عقد إيجار لهما عن العين المؤجرة لمورثهما إستناداً إلى المادة (29) من القانون 49 لسنة 1977.

حكمت المحكمة في الدعوى الأصلية برفضها وفى الدعوى الفرعية بالزام المدعيين في الدعوى الأصلية بتحرير عقد إيجار للمدعى عليهما الأخيرين عن شقة النزاع.

طعن المدعيان على هذا الحكم بالاستئناف رقم 8100 لسنة 109 ق.

وأثناء نظره دفع الحاضر عن المدعيين بعدم دستورية نص الفقرتين الأولى والأخيرة من المادة (29) من القانون 49 لسنة 1977.

وبعد أن قدرت المحكمة جدية الدفع صرحت لهما بإقامة الدعوى الدستورية، فأقاما الدعوى الماثلة.

وحيث إن المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص في فقرتها الأولى - مقروءة على هدى أحكام هذه المحكمة فى القضايا أرقام 56 لسنة 18 ق. دستورية، 6 لسنة 9 ق. دستورية، 3 لسنة 18 ق. دستورية، 44 لسنة 17 ق. دستورية، 116 لسنة 18 ق. دستورية - على أنه "لا ينتهى عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه العين إذا بقى فيها زوجه أو أولاده أو أي من والديه الذين كانوا معه حتى الوفاة أو الترك " وتنص في الفقرة الأخيرة على أن "وفي جميع الأحوال يلتزم المؤجر بتحرير عقد إيجار لمن لهم الحق في الاستمرار فى شغل العين. ويلتزم هؤلاء الشاغلون بطريق التضامن بكافة أحكام العقد".

وحيث إن المدعيين ينعيان على النصين الطعينين خروجهما على أحكام الشريعة الإسلامية التي اتخذها الدستور في المادة الثانية المصدر الرئيسى للتشريع.

كما ينعيان عليهما انتهاكهما للحماية الدستورية التي كفلها الدستور للملكية الخاصة بمادتيه (32) (34)، فضلاً عن مخالفتهما لمبدأ التضامن الاجتماعي المنصوص عليه بالمادة السابعة من الدستور.

وحيث إنه عن النعى بمخالفة الفقرة الأولى من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 للشريعة الإسلامية فإنه مردود، ذلك أنه ولئن كان القانون الأخير قد صدر في ظل حكم المادة الثانية من الدستور عند ما كان يجرى نصها على أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع" وقبل التعديل الدستورى الصادر سنة 1980، والذي جعل حكم هذا النص أن "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، بما يجعل النص الطعين بمنأي عن الخضوع للنص الدستورى الأخير، إلا أنه حتى لو خضع له، بتصور أن إحالة المادة (18) من القانون 136 لسنة 1981 إليه تؤدى إلى ذلك، فإن النعى عليه بمخالفة الشريعة الإسلامية يبقى مردوداً، ذلك أن النص في المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها في عام 1980 على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، يدل، وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، على أنه لا يجوز لنص تشريعي يصدر في ظله أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها معاً، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يمتنع الاجتهاد فيها لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية ثوابتها التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً، أما الأحكام غير القطعية في ثبوتها أو في دلالتها أو فيهما معاً، فإن باب الاجتهاد يتسع فيها لمواجهة تغير الزمان والمكان، وتطور الحياة وتنوع مصالح العباد، وهو اجتهاد إن كان جائزاً ومندوباً من أهل الفقه، فهو فى ذلك أوجب وأولى لولى الأمر ليواجه ما تقتضيه مصلحة الجماعة درءاً لمفسدة أو جلباً لمنفعة أو درءاً وجلباً للأمرين معاً.

إذ كان ذلك، وكان الحكم قطعي الثبوت في شأن العقود كافة، هو النص القرآني الكريم " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" آية رقم (1) سورة المائدة، وقد اختلف الفقهاء إختلافاً كبيراً فيما هو مقصود بالعقد فى تفسير الآية الكريمة، ونضحت كتب المفسرين بهذا الاختلاف الذي كشف عن ظنية دلالة النص بالرغم من قطعية ثبوته، وَرَجُح متفقاً عليه بعد كل خلاف أن النص قد تضمن أمراً بتنفيذ العقود قاطبة وإنفاذ آثارها، وهو أمر يشمل عقد الزواج الذى على العزيز الحكيم بترتيب أحكامه، كما يشمل العقود المالية التي اتفق الفقهاء على أن « إرادة المتعاقدين فيها لها سلطان ما دامت لا تخالف أمراً مقرراً بنص قطعي في ثبوته ودلالته ».

وحيث إن عقد الإيجار قد رحبت الآفاق فيه لاجتهاد الفقهاء وحدهم، وقادهم اجتهادهم في شأن مدته إلى القول بوجوب أن يكون مؤقتاً، « أما المدة التي يؤقت إليها فقد اختلفوا فيها إختلافاً شديداً، ومن ذلك قولهم أنه « يجوز إجارة العين المدة التي يعيش إليها المتعاقدان عادة، كما أن التأقيت قد يكون بضرب أجل ينتهى بحلوله العقد، أو بجعل أجله مرهوناً بحدوث واقعة محمولة على المستقبل ».

وحيث إن نص الفقرة الأولى من المادة (29) من القانون 49 لسنة 1977 - المطعون عليها إذ يجرى على أنه "لا ينتهى عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه العين إذا بقى فيها زوجه أو أولاده أو أى من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك "، فإن النص بذلك يتصل في حكمه بحكم المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 الذي يجرى صدرها على أنه "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء الم كان ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الآتية وفي بيان هذه الأسباب يأتى البند (ج) من هذه المادة لينص على أن من بينها :

ج ـ إذا ثبت أن المستأجر قد تنازل عن الم كان المؤجر ..... أو ..... أو ..... وذلك دون إخلال بالحالات التي يجيز فيها القانون للمستأجر تأجير المكان مفروشاً أو تركه لذوى القربي وفقاً لأحكام المادة (29) من القانون 49 لسنة 1977، بما مؤداه أن المشرع إذ قرر امتداداً قانونياً لعقد الإيجار في شأن المستأجر الأصلى وفقاً لحكم المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 فإنه قد سحب هذا الامتداد إلى زوجه وأولاده أو أى من والديه الذين كانوا يقيمون معه في العين المؤجرة حتى وفاته أو تركه العين، بحيث تغدو المسألة الدستورية المطروحة هي بيان ما إذا كان امتداد العقد حتى نهاية إقامة ذوى القربى المشار إليهم في الفقرة الأولى المطعون عليها بالوفاة أو الترك، هي تأبيد لعقد الإيجار أم أنه يظل مؤقتاً مرهوناً أجله بحدوث واقعة محمولة على المستقبل.

وحيث إن امتداد عقد الإيجار إلى ذوى القربى المنصوص عليهم في الفقرة الأولى من المادة (29) من القانون 49 لسنة 1977 لا ينفى خضوعهم لأسباب الإخلاء المنصوص عليها في المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 إذا توافرت شروط إحداها، فينتهى العقد بتوافر هذا السبب، كما يتصل بذلك أن يطلب آخر من تقرر الامتداد لمصلحته منهم إنهاء العقد، « ثم يتحقق التأقيت النهائي للعقد بوفاة آخر من تقرر الامتداد القانونى لمصلحته » من ذوى القربى المشار إليهم أو تركه العين المؤجرة، إذ كان ذلك كله، فإن « نص الفقرة الأولى من المادة (29) المطعون عليه لا يكون قد خرج عن دائرة تأقيت عقد الإيجار، بحمل انتهائه على وقائع عديدة أقصاها وفاة آخر من امتد العقد لمصلحته من ذوى قرابة المستأجر الأصلي » المحددين في النص الطعين، أو تركه العين المؤجرة، ويكون النص المطعون عليه بذلك وفيما أتاه من حكم حتى لم يخرج عن دائرة ما اجتهد فيه الفقهاء وكان له أن يخرج ولم يخالف حكماً شرعياً قطعي الثبوت والدلالة، بما لا يكون معه قد خالف الشريعة الإسلامية بأى وجه من الوجوه.

وحيث إنه عن النعى بمساس نص الفقرة الأولى من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 بحق الملكية وإخلاله بمبدأ التضامن الاجتماعي، فإنه بدوره مردود، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه ولئن كان الدستور قد كفل حق الملكية الخاصة، وحوطه بسياج من الضمانات التي تصون هذه الملكية وتدرأ كل عدوان عليها، إلا أنه فى ذلك كله لم يخرج عن تأكيده على الدور الاجتماعى لحق الملكية، حيث « يجوز تحميلها ببعض القيود التي تقتضيها أو تفرضها ضرورة اجتماعية »، وطالما لم تبلغ هذه القيود مبلغاً يصيب حق الملكية في جوهره أو يعدمه جل خصائصه، إذ كان ذلك وكان ما أملى على المشرع المصرى تقرير قاعدة الامتداد القانوني لعقد الإيجار، سواء للمستأجر الأصلي أو ذوى قرباه المقيمين معه ممن حددتهم الفقرة الأولى المشار إليها، هو ضرورة اجتماعية شديدة الإلحاح تمثلت فى خلل صارخ فى التوازن بين قدر المعروض من الوحدات السكنية وبين حجم الطلب عليها، وهو خلل باشرت ضغوطه الاجتماعية آثارها منذ الحرب العالمية الثانية، و كان تجاهلها يعنى « تشريد آلاف من الأسر من مأواها بما يؤدى إليه ذلك من تفتيت في بنية المجتمع وإثارة الحقد والكراهية بين فئاته » ممن لا يملكون المأوى ومن يملكونه، وهو ما يهدر مبدأ التضامن الاجتماعي، لذلك فقد تبنى المشرع المصرى قاعدة الامتداد القانوني لعقد الإيجار منذ التشريعات الاستثنائية لإيجار الأماكن الصادرة أثناء الحرب العالمية الثانية، وحتى النص الطعين « مراعياً في سريان الامتداد إلى ذوى قربة المستأجر المحددين في النص الطعين أنهم كانوا محل اعتبار جوهرى عند التعاقد، وقد قصد المشرع بذلك كله أن يصون للمجتمع أمنه وسلامته محمولين على مبدأ التضامن الاجتماعي » .

وحيث إنه يبين مما تقدم أن نص الفقرة الأولى من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 لم يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، ولم يتضمن مساساً بحق الملكية الخاصة أو إخلالاً بمبدأ التضامن الاجتماعي، وإذ كان لا يخالف أي نص دستورى آخر، فإنه يتعين القضاء برفض الطعن عليه.

وحيث إنه عن النعى بمخالفة نص الفقرة الثالثة من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 للشريعة الإسلامية. ومساسه بحق الملكية الخاصة ومخالفته لمبدأ التضامن الاجتماعي، فإنه إذ جرى حكم هذا النص على أنه " وفى جميع الأحوال يلتزم المؤجر بتحرير عقد إيجار لمن لهم الحق فى الاستمرار فى شغل العين. ويلتزم هؤلاء الشاغلون بطريق التضامن بكافة أحكام العقد" فإن حقيقة هذا الحكم، وفى إطار عبارات النص، لم تتجاوز حدود حكم الفقرة الأولى من المادة (29) الذى انتهت المحكمة على ما سلف إلى دستوريتها، ذلك أن الأمر لم يتجاوز بهذا الحكم أن يمنح من استمر عقد الإيجار لمصلحته من أقارب المستأجر الأصلي الذين عينتهم الفقرة الأولى، سنداً لشغله العين المؤجرة، ويتمثل هذا السند في عقد الإيجار الذي الزم النص المؤجر بتحريره، كما قرر تضامناً بين الأقارب شاغلى العين فيما يتعلق بالإلتزامات الناشئة عن هذا العقد، وفى هذا الإطار وحده تغدو الأسباب التي كشفت عن موافقة حكم الفقرة الأولى من المادة (29) من القانون 49 لسنة 1977، للدستور وعدم تعارضها مع أى من أحكامه، هي بذاتها الأسباب التي يتساند إليها الإبقاء على نص الفقرة الثالثة من المادة (29) المشار إليها في حدود العبارات التي أو ردتها.

وحيث إنه ولئن كان ما تقدم إلا أن إلزام المؤجر بتحرير عقد إيجار لمن عينتهم الفقرة الأولى من المادة (29) المشار إليها، و بالشروط الواردة في هذه الفقرة، وتوقف نص الفقرة الثالثة من المادة (29) عند هذا الحد، من شأنه أن يفضى بهذا النص إلى دائرة عدم الدستورية، ذلك أن الانتقال بالعقد الذي حرر لمصلحة أى من أقارب المستأجر الأصلي المحددين على النحو سالف الذكر من أن يكون سنداً لشغله العين، لأن يصبح عقداً منشئاً لعلاقة إيجارية جديدة، المستأجر الأصلى فيها هو القريب الذي حرر العقد لمصلحته، مؤداه أن يسرى حكم الفقرة الأولى من المادة (29) على أقارب هذا القريب المقيمين معه حسبما حددهم هذا النص عند وفاته أو تركه العين، بما يترتب عليه نهوض حكم الفقرة الثالثة ليلزم المؤجر بتحرير عقد إيجار جديد لهم أو لأيهم، ثم يستمر الأمر متتابعاً في حكمه، متعاقباً من جيل إلى جيل، لتحل به نتيجة محققة هي فقدان المؤجر - وبتقدير أنه المالك للعين المؤجرة أو للحق في التأجير - جل خصائص حق الملكية على ما يملكه، وفيما يتجاوز أية ضرورة اجتماعية تجيز تحميل حق الملكية بهذا القيد، ذلك أن القيد الذي يحتمله حق الملكية فى هذا الشأن، هو تقرير امتداد قانوني لعقد الإيجار يستفيد منه المستأجر الأصلى وفقاً لحكم المادة (18) من القانون 136 لسنة 1981 كما يستفيد منه ذوو قرباه المقيمون معه من زوج وأبناء ووالدين وفقاً لحكم الفقرة الأولى من المادة (29) من القانون 49 لسنة 1977، « حيث كانت إقامتهم معه محل اعتبار جوهرى عند التعاقد »، بما ينهض مبرراً لهذا القيد وفي إطار أزمة الإسكان التي جعلت المعروض من وحداته دون حجم الطلب عليها، فإذا تجاوز الأمر هذا الحد، وانقلب القيد الذى تبرره هذه الضرورة الاجتماعية إلى فقدان المؤجر جل خصائص حق الملكية على العين المؤجرة، ولمصلحة من لم تشملهم الفقرة الأولى من ذات النص ولم يكن محل اعتبار عند التعاقد على التأجير، فإن الأمر يغدو عدواناً على حق الملكية الخاصة وهو ما يتعارض مع الأوضاع الخاصة بهذا الحق والحماية المقررة له بموجب أحكام المادتين (32) (34) من الدستور، ويوقع حكم الفقرة الثالثة من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في حماة مخالفة الدستور، وهى مخالفة توجب القضاء بعدم دستوريتها فيما لم تتضمنه من النص على انتهاء عقد الإيجار الذى يلتزم المؤجر بتحريره لأقارب المستأجر الأصلي المقيمين معه وقت وفاته أو تركه العين و المحددين في الفقرة الأولى من المادة (29) من ذات القانون بانتهاء إقامة آخر هؤلاء الأقارب، سواء بالوفاة أو تركه العين.

وحيث إن مقتضى حكم المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، هو عدم تطبيق النص المقضى بعدم دستوريته على الوقائع اللاحقة لليوم التالي لتاريخ نشر الحكم الصادر بذلك، وكذلك على الوقائع السابقة على هذا النشر إلا ما استقر من حقوق ومراكز صدرت بشأنها أحكام حازت قوة الأمر المقضى، أو إذا حدد الحكم الصادر بعدم الدستورية تاريخاً آخر لسريانه، لما كان ذلك وكان إعمال الأثر الرجعي للحكم بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة (29) من القانون 49 لسنة 1977 وعلى ما انتهت إليه المحكمة في هذه الأسباب، « مؤداه إحداث خلخلة اجتماعية واقتصادية مفاجئة، تصيب فئات عريضة من القاطنين بوحدات سكنية تساندوا في إقامتهم بها إلى حكم هذا النص قبل القضاء بعدم دستوريته، وهي خلخلة تنال من الأسرة فى أهم مقومات وجودها المادى، وهو المأوى الذى يجمعها وتستظل به بما تترتب عليه آثار اجتماعية تهز مبدأ التضامن الاجتماعى » الذى يقوم عليه المجتمع وفقاً لما نصت عليه المادة السابعة من الدستور، إذ كان ذلك فإن المحكمة ترى إعمال الرخصة المخولة لها بنص الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانونها، وتحدد لسريان هذا الحكم تاريخاً آخر هو اليوم التالي لنشره، بما مؤداه أن جميع العقود التي أبرمت قبل هذا التاريخ إعمالاً لحكم الفقرة الثالثة من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977، وتنزل منزلتها الوقائع التي ترتب عليها قيام التزام على المؤجر بتحرير عقود إيجار، فتعد عقوداً قائمة حكماً - حيث كان يجب تحريرها، وتظل قائمة ومنتجة لكافة آثارها القانونية وفقاً لنص الفقرة الثالثة من المادة (29) المشار إليها.


حكمت المحكمة

فلهذه الأسباب

أولاً: بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما لم يتضمنه من النص على انتهاء عقد الإيجار الذى يلتزم المؤجر بتحريره لمن لهم الحق فى شغل العين بانتهاء إقامة آخرهم بها، سواء بالوفاة أو الترك، ورفضت ما عدا ذلك من طلبات، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ثانيا: بتحديد اليوم التالى لنشر هذا الحكم تاريخاً لإعمال أثره.

تعليقات